يُعرَف الغزو الثقافي بأنه إستراتيجية مخططة بعناية وبطريقة ممنهجة لاستخدام جميع الموارد المتاحة لتغيير المعتقد، أو تغيير القيم، أو زعزعة الأفكار، أو التلاعب بالعادات والتقاليد، أو تحطيم الأخلاق الأساسية السائدة في مجتمع معين، ويطلق عليه أيضًا الصراع الثقافي، أو الحرب الثقافية، بينما يطلق عليه آخرون الغزو الفكري، كما أنه بعد ظهور العولمة أصبح هذا الغزو مجديًا أكثر وذا فاعلية أكبر للسيطرة على المجتمعات الأخرى على عكس السيطرة العسكرية التي كانت سائدة وتحتاج إلى تكلفة مالية ضخمة وقوة بشرية من حيث العدد والعُدة، محققةً نتائج أقل نسبيًا.[١][٢]
آثار الغزو الثقافي المادية
فيما يأتي بعض النقاط التي توضح آثار الغزو الثقافي المادية:
- الاحتلال الفعلي أو الملموس: قد يؤدي الغزو الفكري والثقافي إلى الاحتلال العسكري، أي توزيع القوى العسكرية بشكل فعلي وملموس على أراضي دولة أخرى بهدف السيطرة عليها، فالغزو الفكري قد يكون أمرًا يمهد لشكل آخر من الاحتلال والتبعية.[٢][٣]
- التبعية الاقتصادية: هي علاقة بين اقتصادين، يتوسع أحدهما وهو الطرف المسيطر على حساب الآخر ويواصل نموه، مما يؤدي إلى انكماش الاقتصاد الآخر وصعوبة نموه، وذلك يظهر جليًا في العلاقة بين الدول الرأسمالية وما تمارسه الدول النامية من خضوع وتبعية لها.[٤]
آثار الغزو الثقافي النفسية والمعنوية
فيما يأتي بعض الآثار النفسية للغزو الثقافي:
- إشاعة روح الاستسلام والتأقلم وقبول المستعمر، ليصبح الأمر أشبه بالوضع الطبيعي أو العادي، وذلك عن طريق الأطروحات الفكرية التي يتم نشرها عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، وضعف أو قلة الانتقاد من قبل المتلقي لهذه الأفكار.[٥]
- أصبح الإعلام هو المنتج الرئيسي للإرهاب، عن طريق الرسائل الإعلامية التي يتم نشرها، والحملات التي تكون بهدف التأثير على التوجهات.[٥][٦]
- إشاعة السطحية واللامبالاة بصفة عامة خصوصًا عند الأجيال الشابة والناشئة.[٥]
- الحرب النفسية؛ وذلك عن طريق بلبلة الأفكار والإشاعات، وغسيل الدماغ، واختلاق القصص والأكاذيب وحتى الأساطير بهدف السيطرة وإحباط الروح المعنوية وإلقاء الرعب في قلوب الناس للتأثير على سلوك الأفراد والمجتمعات على حدٍ سواء.[٧]
آثار الغزو الثقافي الاجتماعية
إن جوهر أي مجتمع هو ثقافته، وتاريخه، وعاداته، وتقاليده، وكون أن الغزو الثقافي يضرب المجتمع في الصميم، فإن أبرز آثاره الاجتماعية تظهر جليًا في ما يلي:
- الصراع الثقافي أو التخبط الثقافي في المجتمع، بين ما هو متعارف عليه من إرث، أو عادات، أو تقاليد، وما هو جديد ومفروض من ثقافة المحتل، إذ إن الاختلاف يُحدث صراعًا، لا سيما بين الأجيال المتعاقبة.[٨]
- الاعتماد على برامج التلفزة والعروض المرئية كالمسلسلات الصادرة من مؤسسات الجهة القائمة على الغزو الفكري في محطات ووسائل الإعلام في الدولة المحتلة ثقافيًا وفكريًا، وهو شكل آخر من أنواع التبعية، يظهر فيه تأثير كبير جدًا في تغير ثقافة المجتمع.[٨][٦]
- الاستحواذ على المناصب الرفيعة في المنطقة المستهدفة بهدف إحكام السيطرة، وكان لذلك الأثر الجلي عند المستشرقين على وجه الخصوص.[٩]
- عزل المجتمع عن المعتقد الديني السائد، والذي هو أحد أشكال العلمنة، وذلك بهدف خلق حالة من التمسك بالقناعات الذاتية من أجل البقاء، خصوصًا بعد ظهور ما يسمى بالنظام العالمي الجديد.[١٠]
- القضاء على روح التحدي أو المقاومة، عن طريق اتباع سياسات الإغراق في المشاكل اليومية.[١٠]
- فرض لغة المستعمر كلغة أساسية، ومحاولة جعل اللغة الأصلية في تراجع.[١١]
آثار الغزو الثقافي على النظام التربوي
ذكرت العديد من الدراسات أن الغزو الفكري أو الثقافي يضع على أولوياته التعليم والثقافة والتربية لاستهدافهما، سواء على فترات زمنية طويلة أو قصيرة، لما لهم من الأثر الكبير على أجيال الناشئين وفي تثقيف الطلاب في المدارس والجامعات والصروح العلمية المختلفة، وتظهر آثار الغزو الثقافي أو الفكري على النظام التربوي فيما يلي:
- توجيه التربية والتعليم للطلاب بأسلوب مدروس ومخطط له عن طريق استخدام المدارس والجامعات بهدف تجاهل ثقافة المجتمع المحلية مما يضعف الانتماء القومي والديني، وهو ما يسمى بالاغتراب الثقافي.[١٢]
- صرف عقول الأجيال الشابة عن مواجهة مشاكل وأزمات الواقع الحاضر.[١٢]
- تعريف وترسيخ مفاهيم ونظريات وأفكار ومذاهب الفكر المحتل، عن طريق المناهج الدراسية التي تقوم بنسخ مناهج المحتل شاملةً بذلك الأفكار والتطلعات والمبادئ.[١٢]
- تراجع البحث العلمي بسبب اعتماده على الاقتباس من مصادر المحتل ثقافيًا، وبالتالي ضعف دعم الابتكار والإبداع.[١٣]
المراجع
- ↑ Alireza PANAHI, Cultural invasion and moral insecurity in thoughts of imam Khamenei, Page 3450-3451. Edited.
- ^ أ ب "Cultural invasion", THE ENCYCLOPEDIA OF WORLD PROBLEMS & HUMAN POTENTIAL, Retrieved 25/6/2021. Edited.
- ↑ "Invasion", THE ENCYCLOPEDIA OF WORLD PROBLEMS & HUMAN POTENTIAL, Retrieved 25/6/2021. Edited.
- ↑ د عواطف عبدالرحمن، قضايا التبعية الإعلامية والثقافية، صفحة 29-30. بتصرّف.
- ^ أ ب ت د المرزوقي الهادي، الغزو الثقافي الغربي، صفحة 13-14. بتصرّف.
- ^ أ ب "Excessive use of foreign programmes for media", THE ENCYCLOPEDIA OF WORLD PROBLEMS & HUMAN POTENTIAL, Retrieved 25/6/2021. Edited.
- ↑ يوسف قاسم، أثر الحرب النفسية السرائيلية على الذات الفلسطينية، صفحة 55-60. بتصرّف.
- ^ أ ب "Cultural invasion", THE ENCYCLOPEDIA OF WORLD PROBLEMS & HUMAN POTENTIAL, Retrieved 25/6/2021. Edited.
- ↑ شاكر شوق، الاستشراق، صفحة 72. بتصرّف.
- ^ أ ب سامية أبو النصر، الفكري يؤدي الى الاجتماعي وعدم الاستقرار&source=bl&ots=2pfJ6zW7uM&sig=ACfU3U2P7zcx3p17pmbJqzIDPihT6ByqVA&hl=ar&sa=X&ved=2ahUKEwiNqIPYhLvxAhWzRUEAHXIsBf4Q6AEwCXoECAYQAw#v=onepage&q=الغزو الفكري يؤدي الى الاجتماعي وعدم الاستقرار&f=false الإعلام والعمليات النفسية في ظل الحروب المعاصرة وإستراتيجية المواجهة، صفحة 180. بتصرّف.
- ↑ سليمان حشاني، مظاهر الدخيل في الكتب العربية، صفحة 33. بتصرّف.
- ^ أ ب ت د زید الشورطي، التغريب الثقافي وانعكاساته التربوية والتعليمية في الوطن العربي، صفحة 10-14. بتصرّف.
- ↑ د زید الشورطي، التغريب الثقافي وانعكاساته التربوية والتعليمية في الوطن العربي، صفحة 15. بتصرّف.