الأسرة هي عبارة عن مجموعة من الأشخاص تجمعهم روابط الزوجية أو الدم، يتفاعلون مع بعضهم البعض بحسب دورهم الاجتماعي كأزواج وأطفال وأشقاء، حيث لعبت الأسرة عبر تاريخ البشرية دورًا رئيسيًا كمؤسسة اجتماعية وبيولوجية تُبنى عليها جميع أساسات المجتمع الأخرى على الرغم من الانخفاض الواضح لوظائف الأسرة في البلدان المتقدمة نتيجة للتصنيع والتحديث والتغيرات الاجتماعية المرتبطة بهذه العمليات، إلا أن الأسرة أظهرت مرونة ملحوظة وقدرة كبيرة على التكيّف مع ذلك، ويمكن لهذه المؤسسة الاجتماعية أن تتعطل بسبب العنف الذي يمسّ جميع أفرادها، ويمتد تأثيره إلى المجتمع ككل.[١][٢]
العنف الأسري
العنف الأسري هو نمط معقد من السلوكيات التي قد تشمل الإساءة الجسدية، أو الجنسية، أو العاطفية كوسيلة للحفاظ على السيطرة والقوة داخل العلاقة، وعادة ما تتعرض له النساء بمعدلات أعلى بكثير من الرجال، حيث يعد هذا النوع من العنف مشكلة هامة ومنتشرة في جميع أنحاء العالم، والتي تعمل الكثير من منظمات حقوق الإنسان على حلها، حيث يمكن أن يساعد فهم أسباب وعوامل العنف الأسري على اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية للحدّ منه.[٣]
أشكال العنف الأسري
يتخذ العنف الأسري عدة أشكال، منها ما يلي:[٤]
- العنف الجسدي: يمكن أن يشمل عدة أشكال منها؛ الضرب، أو العض، أو الصفع، أو الدفع، أو اللكم، أو شدّ الشعر، أو الحرق، أو أي نوع من أنواع السلوك العنيف، بالإضافة إلى حرمان شخص ما من العلاج الطبي أو إجباره على تعاطي المخدرات أو الكحول.
- العنف الجنسي: يتم العنف الجنسي من خلال محاولة إجبار الضحية على الممارسة الجنسية دون موافقته/موافقتها، وغالبًا ما يشمل أيضًا العنف الجسدي باستخدام الضرب.
- العنف العاطفي: يعمل المعتدي في هذه الحالة على تقليص شعور الضحية بتقدير الذات، ويكون ذلك على عدة أشكال منها؛ النقد المستمر، أو استخدام الشتائم، أو الإضرار بالروابط بين الضحية والأطفال.
- العنف الاقتصادي: يقوم المعتدي بمحاولة جعل الضحية معتمدة عليه ماديًا، وغالبًا ما يسعى إلى الحفاظ على السيطرة الكاملة على الموارد المالية، أو منع الضحية من الوصول إلى الأموال، وممارسة العمل أو الذهاب إلى المؤسسات التعليمية.
- العنف النفسي: يقوم المعتدي بإثارة الخوف من خلال التهديد والترهيب، وتدمير ممتلكات الضحية مثل؛ الحيوانات الأليفة، أو إيذاء الضحية أو الأطفال أو عائلة الضحية أو أصدقائها، بالإضافة إلى عزل الضحية عن محيطها وعن علاقاتها الاجتماعية.
- المطاردة: تشمل المطاردة متابعة الضحية، أو التجسس، أو المضايقة، أو الظهور المفاجئ في الأماكن الخاصة؛ كمنزل الضحية، أو مكان عملها، أو إرسال الهدايا بهدف التهديد، أو جمع المعلومات أو إجراء مكالمات هاتفية أو ترك رسائل مكتوبة بهدف التضييق على الضحية، وعادة ما يتم المحاسبة على هذه الأفعال قانونيًا، خاصة إذا كان يقوم المعتدي بها بشكل منتظم ودائم.
- المطاردة عبر الإنترنت: يمكن أن يتسبب الاتصال المتكرر وغير المرغوب عبر الهاتف أو الإنترنت في التضييق العاطفي للمتلقي.
العوامل المرتبطة بالعنف الأسري
العوامل الفردية
تنقسم العوامل الفردية المؤدية إلى العنف الأسري إلى ما يلي:[٥]
- صغر العُمر.
- تجارب سابقة مع العنف أثناء مرحلة الطفولة داخل المنزل.
- تدني مستوى التعليم.
- تعاطي المخدرات أو الكحول.
- اضطراب في الشخصية.
العوامل الأسرية
تنقسم العوامل الأسرية المؤدية إلى العنف الأسري إلى ما يلي:[٥]
- الصراع الدائم أو عدم الرضا عن العلاقة.
- الهيمنة لدى الذكور في الأسرة.
- الضغوط الاقتصادية.
- التفاوت في التحصيل العلمي، أو عندما يكون لدى المرأة مستوى أكاديمي أعلى من شريكها الذكر.
العوامل الاجتماعية
تنقسم العوامل الاجتماعية المؤدية إلى العنف الأسري إلى ما يلي:[٥]
- انتشار الأعراف الاجتماعية غير المتكافئة بين الجنسين، خاصة تلك التي تربط بين مفاهيم الرجولة والعدوانية.
- تدني أوضاع مستوى المعيشة أو الفقر.
- تدني الوضع الاجتماعي للضحية.
- غياب العقوبات القانونية ضد العنف الأسري.
- افتقار المرأة إلى الحقوق المدنية، بما في ذلك الطلاق المقيد أو قوانين الزواج.
- القبول الاجتماعي الواسع للعنف كوسيلة لحل المشكلات.
- وجود مستويات عالية من العنف العام في المجتمع.
آثار العنف الأسري
على الضحية
يمتد تأثير العنف الأسري على الضحية كما يلي:[٦]
- الوفاة أو المرض أو الإصابة الخطيرة أو العجز.
- الصدمة العاطفية أو النفسية، حيث أثبتت الدراسات أن للعنف الأسري تأثيرات مدمرة على صحة الفرد العقلية مسببًا بذلك الاكتئاب والشعور بالعار والغضب ومراودة الضحية لأفكار انتحارية.
- اللجوء إلى تعاطي الكحول أو المخدرات للتعامل مع مشكلة العنف الأسري.
على الأسرة
يمتد تأثير العنف الأسري على الأسرة كما يلي:[٦]
- يخلق العنف المنزلي والتهديد بيئة مليئة بالقلق والخوف، مما يتسبب بتدمير الأسرة وتفككها.
- يؤثر العنف الأسري على حماية الطفل من التعرض لمشكلات نفسية وعاطفية مستقبلية تحول بينه وبين قدرته على بناء العلاقات وعيش حياة طبيعية.
- يتسبب الصراع الأسري المنتظم بتدخل الشرطة ورفع دعاوى قضائية مكلفة في بعض الأحيان.
على المجتمع
يمتد تأثير العنف الأسري على المجتمع كما يلي:[٦]
- وصول الأطفال إلى مراحل عمرية مع عدم اكتسابهم معرفة العلاقات الإيجابية وتعلم الاحترام.
- ذهاب المعتدين إلى السجن وترك الأطفال دون رعاية أسرية مستقرة.
- ارتفاع معدلات تعاطي الكحول والمخدرات ومشاكل الصحة العقلية.
على الأطفال
يمتد تأثير العنف الأسري على الأطفال كما يلي:[٦]
- الشعور بالقلق والاكتئاب المستمر، والاضطرابات العاطفية، واضطرابات الأكل والنوم.
- ظهور الأعراض الجسدية مثل؛ الصداع وآلام المعدة.
- وجود صعوبة في إدارة التوتر والغضب.
- انعدام احترام النفس وتقديرها، والميول إلى إيذاء النفس.
- التصرف بعدوانية تجاه الأصدقاء والزملاء في المدرسة.
- الشعور بالذنب ولوم أنفسهم.
كيفية الحدّ من العنف الأسري
فيما يلي بعض الخطوات التي يُمكن للأفراد والمجتمع اتباعها للحدّ من العنف الأسري:[٧]
- تعليم مهارات إقامة علاقات آمنة وصحية عن طريق تعزيز برامج التعلم الاجتماعي العاطفي للشباب، وبرامج العلاقات الصحية للأزواج.
- إشراك البالغين وخاصة فئة الذكور منهم في البرامج القائمة على الأسرة، وتمكين التعليم والتثقيف.
- منع العنف عن طريق علاج الأطفال والشباب والأسر المعرضين للخطر، وطرح برامج مهارات الأبوة والأمومة والعلاقات الأسرية، والإثراء في مرحلة ما قبل المدرسة وذلك بمشاركة الأسرة.
- تطوير بيئات آمنة وتحسين السياسات التنظيمية داخل المدرسة ومكان العمل، بالإضافة إلى تعديل البيئات المادية والاجتماعية للأحياء الفقيرة.
- تعزيز الدعم الاقتصادي والأمن المالي وفرص العمل للأسر.
- دعم الناجين من العنف الأسري لزيادة السلامة وتقليل الأضرار؛ وذلك من خلال تعزيز الخدمات التي تركز على معالجة الضحايا، والحماية القانونية المدنية، والاهتمام بالصحة النفسية للمتضررين.
دور المؤسسات العالمية في الحدّ من العنف الأسري
أشرفت منظمة الصحة العالمية في السنوات الأخيرة على عدد من المراجعات الدولية التي قامت بتجميع الأدلة حول النُهج الفعالة لمنع العنف الأسري والاستجابة له، وقد شملت ما يلي:[٨]
- إصلاح الأطر القانونية المدنية والجنائية.
- تنظيم حملات إعلامية مناصرة لرفع مستوى الوعي بالتشريعات القائمة.
- تعزيز الحقوق المدنية للمرأة فيما يتعلق بالطلاق والملكية وإعالة الأطفال والحضانة.
- بناء تحالفات بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني.
- بناء قاعدة أدلة للدعوة والتوعية حول مفهوم ونتائج العنف الأسري.
- استخدام الاتصال الفعال لتغيير السلوك وتحقيق التغيير الاجتماعي.
- تحويل المؤسسات بأكملها في جميع القطاعات باستخدام منظور النوع الاجتماعي.
- دمج الاهتمام بالعنف ضد المرأة في خدمات الصحة الجنسية والإنجابية.
- تعزيز التمكين الاجتماعي والاقتصادي للنساء والفتيات.
- بناء خدمات شاملة للناجين من العنف الأسري في المجتمعات.
- إشراك الرجال في تعزيز منع العنف الأسري والمساواة بين الجنسين، بالإضافة إلى تقديم خدمات التدخل المبكر للأسر المعرضة للخطر.
حقائق ومعلومات ونسب عن العنف الأسري
فيما يلي بعض النسب المتعلقة بالعنف الأسري، والتي يتبين من خلالها حجم المشكلة وانتشارها الكبير:[٩][١٠]
- يشير التقرير الذي أجرته منظمة الصحة العالمية في عام 2018 لبيانات تم جمعها ما بين عام 2000 و2018 عبر 161 دولة ومنطقة، وذلك نيابة عن مجموعة العمل المشتركة بين وكالات الأمم المتحدة المعنية بالعنف ضدّ المرأة، فإن 1 من كل 3 نساء في العالم أو ما يقارب 30% من النساء يتعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي أو المطاردة من قبل الشريك.
- تصل نسبة النساء اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 15-49 عامًا وتعرضن لشكل من أشكال العنف الجسدي أو الجنسي من قبل الشريك إلى 27% أيّ ما يقارب ثلث النساء في العالم.
- وصلت جرائم قتل النساء إلى 38% من قبل الشريك في العلاقة الزوجية على الصعيد العالمي.
- أدت عمليات الإغلاق أثناء جائحة كورونا وآثاره الاجتماعية والاقتصادية إلى زيادة تعرض النساء للشركاء العنيفين وعوامل الخطر المؤدية إلى العنف الأسري، مع الحدّ من وصولهن إلى خدمات المساعدة.
- تعرض أكثر من 43 مليون امرأة و38 مليون رجل للعنف النفسي من قبل الشريك.
المراجع
- ↑ "Family", britannica, Retrieved 27/5/2021. Edited.
- ↑ World Health Organization, Health and Family: Studies on the Demography of Family Life Cycles and Their Health Implications, Page 6. Edited.
- ↑ Kelsey Hegarty, Elizabeth D Hindmarsh, Marisa T Gilles, "Domestic violence in Australia: definition, prevalence and nature of presentation in clinical practice", The Medical Journal of Australia, Retrieved 27/5/2021. Edited.
- ↑ "What is the Definition of Domestic Violence?", findlaw, 3/10/2018, Retrieved 27/5/2021. Edited.
- ^ أ ب ت World Health Organization, Intimate partner violence, Page 4. Edited.
- ^ أ ب ت ث "The effects of domestic and family violence", Government of New South Wales, Retrieved 27/5/2021. Edited.
- ↑ "Intimate Partner Violence: Prevention Strategies", Centers for Disease Control and Prevention, Retrieved 27/5/2021. Edited.
- ↑
- ↑ "Violence against women", World Health Organization, Retrieved 27/5/2021. Edited.
- ↑ "Preventing Intimate Partner Violence", Centers for Disease Control and Prevention, Retrieved 27/5/2021. Edited.