يُرمز للتغير الاجتماعي في علم الاجتماع بأنه تغير الآليات والأساليب المتبعة داخل الهيكل الاجتماعي، ويشمل تغييرات في الرموز الثقافية، أو القواعد السلوكية، أو المنظمات الاجتماعية، أو أنظمة القيم، حيث تطورت أفكار التغيير الاجتماعي من أواخر القرن التاسع عشر عندما بات التطور هو النموذج الشائع لفهم التغيير البيولوجي، وقد استمر التطور على هذا المبدأ وتأسس عليه على الرغم من وجود النماذج الأخرى التي دعمت المفاهيم الحديثة للتغييرات الاجتماعية.[١]
مفهوم التغير الاجتماعي
يُعرّف علماء علم الاجتماع التغير الاجتماعي بأنه تغيرات في التفاعلات والعلاقات البشرية التي تبدل المؤسسات الثقافية والاجتماعية، وتتحقق هذه التغيرات مع مرور الوقت، وينتج عنها عواقب وخيمة طويلة الأجل على المجتمع، ومن الأمثلة التي انتشرت لمثل هذه التغييرات؛ الحركات الاجتماعية في الحقوق المدنية، وحقوق المرأة، وغيرها الكثير، وقد غيرت حركات التغير الاجتماعي العلاقات، والمؤسسات، والأعراف الثقافية.[٢]
نظريات التغير الاجتماعي
يعد التغير الاجتماعي أمرًا حتمي الحصول في المجتمعات، ومن الطبيعي أن تمر بتغييرات على الرغم من غموض أسباب هذا التغيير، وعلى مرّ التاريخ توصل علماء الاجتماع بعد تصارعهم مع العديد من الأفكار والنماذج المختلفة إلى ثلاث نظريات رئيسية للتغيير الاجتماعي وهي:[٣]
النظرية التطورية
استحقت النظرية التطورية لظاهرة التغير الاجتماعي في القرن التاسع عشر مكانة بارزة، وقد تمسك علماء الاجتماع بنظرية "داروين" للتطور وطبقوها على المجتمع، وقد كان العالم أوغست كونت الملقب "أب علم الاجتماع" يؤمن بالنموذج التطوري، ووفقًا لهذه النظرية يتطور المجتمع دائمًا بمستويات عُليا، فمثلًا تتطور الكائنات الحية من مرحلة بسيطة حتى تُصبح كائنات أكثر تعقيدًا، وذات الأمر ينطبق على المجتمعات، وستتعرض المجتمعات الجامدة التي لا تتكيس بالسرعة المطلوبة للتخلف والتأخر عن بقية المجتمعات المحيطة بها، وقد أكد مؤيدو التطور الاجتماعي أن جميع المجتمعات يجب أن تمر بنفس سلسلة التقدم، في حين يعتقد المنظرون الحديثون للنظرية على أن التغيير متعدد المسارات، فكل مجتمع يمكن أن يتطور بطرق واتجاهات مختلفة عن الآخر.
النظرية الوظيفية
تتناول هذه النظرية المجتمع على أنه أشبه بجسم الإنسان، وكل جزء منه يشبه عضو في الجسم، فمثلًا لا يمكن للأجزاء الفردية في المجتمع أن تعيش بمفردها، ويرى الرائد الرئيسي في العلوم الاجتماعية "إميل دوركهايم" أن جميع أجزاء المجتمع يجب أن تكون متشاركة ومتناغمة مع بعضها البعض وإن لم تتوجد سوف تنهار، وعندما يعاني جزء واحد من المجتمع ستتأثر الأجزاء الأخرى منه كما يحصل في أعضاء الإنسان، ونستنتج من ذلك أنّ النظرية الوظيفية تسعى إلى بناء مجتمع يعمل باستمرار للوصول إلى الاستقرار، ومن الضروري الاهتمام بالأجزاء التي تقع بها المشاكل أكثر من الأخرى على الرغم من أنها ستكون مؤقتة، وهكذا يتحقق التغير الاجتماعي.
نظرية الصراع
يرى مؤيدو هذه النظرية أن طبيعة المجتمع غير متكافئة وتنافسية، وقد ترأس هذه النظرية العالم "كارل ماركس"، وقد كان يؤمن بالنظرية التطورية كذلك، ولكنه لم يَرَ أن كل مرحلة جديدة أحدثت تغييرًا أفضل عن المرحلة السابقة لها، ففي أغلب المجتمعات وفي أغلب الأوقات يتحكم الأغنياء والأقوياء ذوي السلطة في المجتمع عن طريق استغلال الفئات الضعيفة فيه، وهذا ما يولد الصراع ويدفع الأفراد للعمل، وبهذه الطريقة يحدث التغير الاجتماعي، وقد تطورت هذه النظرية على مرّ السنين، وأثبتت تواجدها في نظريات أخرى مثل؛ النظرية النسوية، ونظرية الكوير، ونظرية العرق النقدي.
سمات وخصائص التغير الاجتماعي
فيما يلي ذكر لخصائص التغير الاجتماعي:[٤][٥]
- يعد التغير الاجتماعي ظاهرة عالمية وقانونًا أساسيًا عالميًا يسري على العالم بأكمله.
- يحصل التغير ولكن توجد فروقات في الفترات والأشكال الجديدة للمجتمعات، وكلما كان الشكل الجديد للمجتمع بسيطًا كلما كان التغير أبطأ.
- يحدث التغير الاجتماعي في أي وقت وفي أي شكل؛ أي لا يمكن التنبؤ به بسهولة.
- ينتج عن التغير الاجتماعي سلسلة من التفاعلات نظرًا لوقوعه تحت العديد من العوامل الاجتماعية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والظرفية، مما تساعد في ظهور تفاعلات متسلسلة، فأي تغيير يحدث في جزء معين في المجتمع يُشكل عاملًا يؤدي إلى تغييرات في أجزاء أخرى من المجتمع، فالتصنيع والتحضر يؤديان إلى تغيرات في الحياة الأسرية والحياة القروية، وزيادة الحاجة للعمالة لإدارة وتشغيل مصانع تشجع النساء على المشاركة في سوق العمل.
- يشمل التغير الاجتماعي التغيير المجتمعي، فالتغير الاجتماعي لا يقتصر على التغيير في حياة فرد أو عدة أفراد أو مجموعات مكونة من أفراد، بل يشمل حياة المجتمع كاملة؛ أي أنه تغيير مجتمعي وليس فردي.
مصادر التغير الاجتماعي
تتعدد وتختلف مصادر ومنابع التغير الاجتماعي، ونذكر منها ما يلي:[٦]
- تأثير الكوارث الطبيعية: إذ يتطلب من الناس تقنيات للتكيف في نظامهم الاجتماعي بعد حدوثها، وتجبر الأعاصير، والفيضانات، والجفاف الأفراد على تغيير حياتهم وأنماط عيشهم.
- التغير السكاني: يلعب تغير النمط السكاني دورًا هامًا في ظاهرة التغير الاجتماعي، ويمكن أن يحصل التغيير بعوامل التركيبة السكانية وما يتعلق بأعمار النسمات والتعليم والمهن، ويؤثر التغيير المفاجئ أو السريع في عدد وتكوين وتوزيع السكان على الثقافة والبنية الاجتماعية، كما أن الهجرة الحاصلة في المجتمعات داخليًا تولد عاملًا ديموغرافيًا يعزز التغير الاجتماعي.
- الصراع والنزاعات في المجتمع: إذ تعد طبقات المجتمع عامل رأس مالي يُساهم في التغير الاجتماعي، والصراع الحاصل بين الطبقات في المجتمع يعد وسيلة للتغير الاجتماعي، ولا يمكن أن تبقى هذه الطبقات في صراع لمدى الحياة، إذ يتم خلق حلول، ومهما حصل من تسويات وتهدئات لحل الصراع سيُخلق وضع جديد للمجتمع مختلف عن الوضع السابق.
- البيئة المادية: وهذا المصدر هو الذي يمنح المجتمع الملكية الخاصة للإنتاج المادي، ويولد الصراع الاجتماعي الذي يقوم بدوره على تعزيز التغير الاجتماعي وتغيير المجتمع.
- السلوك الجماعي: وهو نوع من السلوكيات يتم فيها تغيير الأعراف والمعايير المعتادة عليها عن توجيه التعاليم الاجتماعية، وتفويض الطرق الراسخة لمجموعة المجتمع، وتعمل هذه المجموعات عادةً على تدمير النظام، وإحداث أعمال الشغب، وتكوين العصابات.
عوامل التغيّر الاجتماعي
أمّا فيما يتعلق بعوامل ظاهرة التغيُّر الاجتماعي فهي كالآتي:[٧]
- عامل فكري: فقد ساهم تطور العلم وعلمنة الفكر في تطوير الطابع النقدي والمبتكر للنظرة الحديثة للتغيُّر الاجتماعي، حيث لم يعد المجتمع يتبع الكثير من العادات لمجرد أنها تتمتع بسلطة وتحكم العادات القديمة، وقد أصبحت أساليب الحياة تسري على أساس العقلانية.
- عامل اقتصادي: ويعد التصنيع من أكثر التأثيرات الاقتصادية التي ساهمت في التغيُّر الاجتماعي، فقد أحدثت الثورة الاقتصادية تغييرًا في الحياة بأكملها في المؤسسات، والمنظمات والحياة المجتمعية، وفي أنظمة الإنتاج التقليدية.
- عامل سياسي: تعد الدولة أقوى منظمة تسعى إلى تنظيم العلاقات الاجتماعية، ولها القدرة على تشريع قوانين جديدة وتلغي القوانين القديمة لإحداث التغير الاجتماعي في المجتمع؛ مثل القضايا المتعلقة بزواج الأطفال، وزواج الأرامل، والطلاق، والميراث، والخلافة.
أشكال التغيُّر الاجتماعي
أمّا عن أنواع التغيُر الاجتماعي فهي كما يلي:[٨]
- تغيير اجتماعي تطوري: والذي يُحدث تغيرات تطورية على طول فترة زمنية طويلة ببطء وتدريج بواسطة عملية تطورية، ولا تعد هذه التغيرات جذرية أو أنها ملحوظة؛ لأنها تكون تدريجية وتسير على طريقة عمليات التكييف، ويتعلم الناس هذا التكييف تدريجيًا.
- تغيير اجتماعي ثوري: وهو عكس الشكل السابق؛ أي أنه عند حدوث التغييرات في القطاعات المختلفة في النظام الاجتماعي، يكون التغيير مفاجئًا وجذريًا ومؤثرًا، ويمكن تمييزه عن التغيير التدريجي البطيء، ولذلك سُمي بالتغيير الثوري.
عوائق التغير الاجتماعي
يعد التغيُّر الاجتماعي ظاهرة غير مريحة وغير مرغوب بها لقلبها التقاليد القديمة لدى الناس، إذ يتمسكون أثناء حدوثها بالأمور التي يعرفونها خوفًا من كل ما هو جديد، وفيما يلي سنُدرج أبرز الحواجز التي تمنع ظاهرة التغيُّر الاجتماعي وتقف حيال حدوثها:[٩]
- عوائق اجتماعية: مثل قلة الدعم المجتمعي، والأعراف الاجتماعية، وعدم توافق الجماعات.
- عوائق ثقافية: التقاليد، والثقافة القديمة، والعادات.
- عوائق اقتصادية: الفساد، وانعدام البنية التحتية المالية، والافتقار للحقوق المالية.
- عوائق سياسية: القيم المتخذة، والأيديولوجيا المتبعة.
مشكلات التغيُّر الاجتماعي
يسبب التغيُّر الاجتماعي في الغالب العديد من المشكلات الاجتماعية، ومنها ما يلي:[١٠][١١]
- مشاكل تتعلق بالفئة الضعيفة في المجتمع مثل؛ عدم المساواة في الفرص، والفقر، والعنصرية، والتمييز على أساس الجنس والطبقة.
- مشاكل تتعلق بالفرد نفسه مثل؛ الانحراف الإجرامي، وتعاطي المواد المخدرة والممنوعة، واللامبالاة، والمادية.
- مقاومة التغير الاجتماعي؛ قد تشعر بعض الجماعات والأفراد بعدم الأمان والخوف من محاولة التكيّف مع المجتمع المتغير.
أمثلة على تغيرات اجتماعية
هنالك العديد من الحركات الاجتماعية التي أدت إلى التغييرات الاجتماعية مثل:[١٢]
حركات الإصلاح
وتسمى بالحركات الثورية التي تدعو إلى التغيير المُحافظ على القيم المتأصلة في المجتمع، ولكنها ستوفر طرقًا محسنة لتنفيذها دون تخريب أو تدمير القيم الأساسية التقليدية، وينظر في بعض الأحيان إلى السعي لاستبدال هذه القيم.[١٣]
حركة إلغاء تجارة العبيد من خلال المحيط الأطلسي
بعد إلغاء تجارة الرقيق أو العبيد من قبل بريطانيا وبعض الدول عام 1807، استمرت بعد ذلك هذه التجارة غير المشروعة لمدة 60 عامًا، وقد تم نقل حوالي ربع مجموع الأفارقة المستعبدين والذي بلغ عددهم ما بين 1500-1870 عبر المحيط الأطلسي، وبعد ذلك قامت البحرية الملكية البريطانية بدوريات لمكافحة هذه الآفة مقابل الساحل الغربي لأفريقيا، وسيطرت على مئات السفن، وشجعت الدول المحيطة في القضاء على هذه الظاهرة.[١٤]
الحركة الخضراء
وتسمى باسم الحركة البيئية، إذ تزايد القلق بشأن العديد من المشاكل البيئية مثل؛ تلوث الهواء والماء التي تؤثر على الإنسان، وقد ارتبط التلوث البيئي بانتشار المرض الوبائي في أوروبا بين أواخر القرن الرابع عشر ومنتصف القرن السادس عشر، وحينها تم اتخاذ أُسس للحفاظ على التربة في الصين والهند وبيرو منذ 2000 عام، وقد نشأت الحركة الخضراء المعاصرة في أواخر القرن التاسع عشر لحماية الريف في أوروبا والبرية في الولايات المتحدة الأمريكية، والحماية من العواقب الصحية للتلوث أثناء الثورات الصناعية.[١٥]
المراجع
- ↑ "social change", britannica, Retrieved 12/6/2021. Edited.
- ↑ "What is Social Change and Why Should We Care?", snhu, Retrieved 12/6/2021. Edited.
- ↑ "What is Social Change?", humanrightscareers, Retrieved 12/6/2021. Edited.
- ↑ "Social Change", civilserviceindia, Retrieved 13/6/2021. Edited.
- ↑ "8 Essential Characteristics of “Social Change”", shareyouressays, Retrieved 13/6/2021. Edited.
- ↑ "Sources of Social Change", slideshare, Retrieved 13/6/2021. Edited.
- ↑ "Top 6 Factors of Social Change – Explained!", yourarticlelibrary, Retrieved 15/6/2021. Edited.
- ↑ "Social Change: Meaning, Types and Characteristics", psychologydiscussion, Retrieved 13/6/2021. Edited.
- ↑ "Overcoming Barriers to Social Change", missionbox, Retrieved 13/6/2021. Edited.
- ↑ "Social Change/Social Problems", faculty, Retrieved 13/6/2021. Edited.
- ↑ "Resisting Social Change", cliffsnotes, Retrieved 13/6/2021. Edited.
- ↑ "What is Social Change?", humanrightscareers, Retrieved 13/6/2021. Edited.
- ↑ "Types of social movements", britannica, Retrieved 13/6/2021. Edited.
- ↑ "Abolition of the transatlantic slave trade", liverpoolmuseums, Retrieved 13/6/2021. Edited.
- ↑ "History of the environmental movement", britannica, Retrieved 13/6/2021. Edited.