يعرّف التعايش بأنه حالة تعيش فيها مجموعتان أو أكثر معاً في نفس المنطقة الجغرافية، مع احترام كل منهم لاختلافات بعضهم البعض، وحل نزاعاتهم بطريقة سلمية، والميل إلى التسامح والتعاون دون اللجوء إلى العنف، حيث يعتبر التعايش من القيم المهمة التي تحتاج إليها المجتمعات خاصة في عصرنا الحديث.[١]


مفهوم التعايش

إليك ما يلي فيما يتعلق بمفهوم التعايش:

  • التعايش لغةً: التعايش في اللغة يعني العيش على المحبة والألفة، وتعايش الأشخاص إذا وجدوا في نفس المكان والزمان، والتعايش أيضاً هو مجتمع تتعدد طوائفه، ويعيشون فيما بينهم بانسجام ووئام على الرغم من كل الاختلافات من حيث الأديان أو الأعراق أو اللغات، والتعايش السلمي يعني بيئة يسود فيها التفاهم بين فئات المجتمع المختلفة دون اللجوء إلى استخدام القوة، ويأتي التعايش على وزن (تفاعل) مما يدل على وجود العلاقة المتبادلة بين الأطراف المتعايشة.
  • التعايش اصطلاحاً: اجتماع مجموعة من الناس في مكان واحد، حيث تربطهم وسائل العيش من الطعام، والشراب، وأساسيات الحياة، بغض النظر عن الدين أو الانتماءات الأخرى، حيث يعرف كل منهم حقوقه وواجباته دون اندماج أو انصهار تام.


أنواع التعايش

تعيش مجموعات من مختلف الديانات والمذاهب واللغات والأعراق والمعتقدات معاً في الكثير من الدول في العالم، لذلك توجد العديد من الأنواع للتعايش والتي لا غنى عنها للحفاظ على انسجام هذه المجموعات.[٢]


التعايش الديني

وهو عيش الأشخاص ذوي الديانات المختلفة مع بعضهم البعض دون خلافات أو نزاعات، وذلك من خلال نشر ثقافة المعاملة الحسنة والمعروف والقيم الأخرى التي تساهم في مصالح جميع الأطراف في أمور الحياة والمواطنة المشتركة، وتشمل مظاهر هذا النوع من التعايش ما يلي:

  • الاعتراف بوجود الدين الآخر واحترام شعائره.
  • التعامل مع الأشخاص ذوي الديانات الأخرى بالإحسان واللطف، دون الميل إلى العدوان أو استخدام الإهانات والمضايقات.
  • التفاهم والحوار بين الأفراد.


التعايش المذهبي

قد تضم بعض الدول مذاهب وفرق مختلفة من كل دين، حيث من المهم تعايش هذه المجموعات مع بعضها البعض للمحافظة على استقرار وأمن البلاد، وتتضمن بعض مظاهر التعايش المذهبي ما يلي:

  • مراعاة القواعد الشرعية في التعامل مع المذاهب الأخرى، ومراعاة الاختلافات دون الاستهزاء بأفكار ومعتقدات الآخرين.
  • منع النفس والآخرين من نشر الباطل.
  • الأصل في التعامل هو دعوة الآخرين بالتي هي أحسن والرفق واللين.
  • النظر إلى الآخر كفرد له حقوق وواجبات يجب احترامها والالتزام بها، وعدم التقليل من شأن الآخر بناءً على مذهبه أو ديانته.


التعايش العرقي واللغوي

قد يجتمع في دولة واحدة عدة أعراق كالعربي والفارسي وغير ذلك، وأيضًا فقد يتواجد في البلد الواحد أكثر من لغة مثل تركيا والعراق وغيرها من الدول التي تتعدد فيها الكثير من اللغات والأعراق، ومن مظاهر التعايش العرقي واللغوي ما يلي:

  • عدم التفاخر بالأعراق بشكل مبالغ به والاستهزاء بالآخر بسبب عرقه أو لغته، حيث أن جميع الأعراق سواسية ولا يوجد عرق معيّن أفضل من غيره.
  • تكافؤ فرص العيش الكريم، والعمل، والدراسة بين جميع الأعراق واللغات دون التعرض للتمييز أو العنصرية.


ضوابط التعايش وشروطه

وضعت الديانات السماوية جميعها ضوابط تضمن التعايش بين أفرادها وأصحاب الديانات الأخرى بطريقة سليمة وسلسة منها:[٣]

  • الاعتزاز بالانتماء للدين دون التقليل من شأن الآخرين، والالتزام بقوانينه واعتباره منهجاً للحياة.
  • رفض الظلم وتهميش الآخر أو المسّ بكرامته وحريته.
  • ضرورة الأخذ بمبدأ الحوار الفعال، والتفاهم مع الآخرين دون استخدام العنف.


أسس التعايش

فيما يلي بعض الأسس التي بُني عليها مفهوم التعايش وتبقي المجتمع مستقراً من خلالها:

  • العدل: العدل هو مفهوم قائم على الصواب، والعقلانية، والقانون الطبيعي، والدين، والإنصاف، بالإضافة إلى إدارة القانون مع مراعاة الحقوق المدنية التي تتمثل في تمتع جميع الأفراد والمواطنين بحرياتهم بشكل متساوي أمام القانون، دون التمييز على أساس العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو السن.[٤]
  • الإحسان: يشمل الإحسان القول اللطيف، والعمل على أكمل وجه، وتجنب الإساءة للآخرين، والصبر، وترك المحرمات، وأداء الواجبات، والاجتهاد في جميع أنواع الخير مثل؛ الصدقة، والإعانة، وعيادة المريض، والشفاعة، وردع الظلم، حيث يُعتبر الإحسان واحدة من الركائز التي تعمل على تعزيز مبدأ التعايش في المجتمع.[٥]
  • الرحمة: الرحمة هي إظهار العطف والتسامح تجاه الآخرين بدلاً من استخدام القوة والإساءة، حيث دعت الديانات السماوية جميعها إلى التحلي بهذه الصفة الحميدة التي تجلب الطمأنينة والسلام بين الناس؛ وذلك لما لها من أهمية كبيرة في المحافظة على وحدة المجتمع وتضامنه، والقضاء على الخلافات بين الأفراد والجماعات.[٦]
  • التعاون: تحتاج المجتمعات بطبيعتها إلى التعاون بين أفرادها، حيث تتوحد هذه الجهود لتصبح شيئاً مادياً محسوساً يعود على الجميع بالمنافع التي لا يستطيع الفرد في الكثير من الأحيان الحصول عليها دون مساعدة، حيث تتمثل بعض أشكال التعاون في العمل التطوعي، وجمع التبرعات، ومساعدة كبار السن والمحتاجين.[٧]
  • التحلّي بمكارم الأخلاق: التحلّي بمكارم الأخلاق هي إحدى أسس التعايش التي تدخل في جميع مناحي الحياة، حيث تؤدي إلى زرع المحبة والثقة بين أفرادها، وتقوية الروابط، ولين الكلام، وبشاشة الوجه، والصدق، والوفاء بالعهود، مما يعمل على تعزيز مفهوم التعايش.[٧] 
  • تقبل الآخر وبدء الحوار: من القواعد الأساسية التي يعتمد عليها الحوار هو تقبل الرأي الآخر، وإعطائه الفرصة للتعبير عن نفسه بحرية واستخدام مهارة الاستماع، بالإضافة إلى احترام آراء الآخرين في حال وجود اختلافات، حيث يساعد تقبل الآخر على بناء جسور للتفاهم بين مختلف أفراد المجتمع، كما أنها طريقة فعالة جداً للوصول إلى الهدف المرغوب من الحوار.[٦]
  • الاعتدال والوسطية: يساعد تطبيق مبدأ الاعتدال والوسطية في التعايش مع الآخرين بسلام، وذلك من خلال النظر بشكل متوازن إلى جميع المواقف والآراء ووجهات النظر دون اللجوء إلى التطرف.[٦]


الحقوق والواجبات في التعايش

الحقوق

يستحق الجميع الحصول على الحقوق التالية في أيّ مجتمع يتعايش به مع الآخرين:[٨]

  • الحق في المساواة في المعاملة.
  • الحق في الصحة والتعليم، والحصول على فرص عمل متساوية.
  • الحق في إبداء الرأي، والمشاركة في المجتمع.
  • الحق في الحماية والملاذ الآمن.
  • الحق في العيش في بيئة سليمة دون التعرض للعنف.
  • الحق في الحصول على الرعاية الخاصة والدعم في حالة الإعاقة.


الواجبات

حيث يجب على جميع أفراد المجتمع مهما كانت خلفياتهم الالتزم بالواجبات التالية:[٦]

  • التزام النصرة والمساعدة تحقيقاً للمصالح العامة في حال حدوث عدوان داخلي أو خارجي.
  • احترام وتقدير التنوع العرقي، والديني، واللغوي، والدفاع عن العدالة الاجتماعية.
  • احترام حقوق وحريات الغير، بالإضافة إلى تحمل مسؤولية أفعال النفس.
  • المساهمة في تنمية المجتمع، والترحيب بالتنوع بجميع أشكاله طالما أنه يعود بالمنفعة على البلاد.
  • إظهار الحساسية الثقافية، والتي تتمثل بإدراك الاختلافات والتشابهات الثقافية دون إلقاء الأحكام عليها (إيجابي أم سلبي، أفضل أم أسوأ، صحيح أم خاطئ).[٩]


أهمية التعايش

للتعايش فوائد عظيمة تعود على الفرد والمجتمع منها:[١]

  • توفر حالة التعايش ظروفاً نفسية وجسدية للأفراد والمنظمات والمجتمعات؛ لتقليل التوترات وانتشار السلام وحلّ أسباب النزاع.
  • يخلق التعايش بيئة يمكن من خلالها الحفاظ على أمن جميع الأفراد، ويسمح لهم ببدء حوارات مناسبة وذات نتائج مرضية.
  • يسمح عصر التعايش للمصالح المشتركة مثل المصالح الاقتصادية بالظهور بين الخصوم، مما يمنح كلا الطرفين مصلحة قوية في جعل المرحلة المؤقتة مرحلة دائمة.



المراجع

  1. ^ أ ب Angela Nyawira Khaminwa, is a state in,and resolving their conflicts nonviolently. "Coexistence", beyond intractability, Retrieved 4/6/2021. Edited.
  2. ناصر بن سعيد السيف (3/8/2016)، "التعايش (أنواعه، نماذج تطبيقية: التعايش الوطني والحضاري)"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 4/6/2021. بتصرّف.
  3. عبد السلام حمود غالب، 1.pdf أثر الحوار في التعايش مع الآخر، صفحة 22. بتصرّف.
  4. "Justice", science daily, Retrieved 4/6/2021. Edited.
  5. "معنى الإحسان والمقصود بالمحسنين"، الإمام ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 4/6/2021. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت ث زياد علاونة، المواطنة، صفحة 27. بتصرّف.
  7. ^ أ ب حمزة بن حسين الفعر الشريف (10/10/2015)، "الأصول والضوابط العقدية والشرعية للعيش المشترك في الإسلام"، المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، اطّلع عليه بتاريخ 4/6/2021. بتصرّف.
  8. "قواعد التعايش"، برلين، اطّلع عليه بتاريخ 4/6/2021. بتصرّف.
  9. Bronx Partners for Healthy Communities, Cultural Sensitivity: Respect for People Strength, Culture and Knowledge, Page 4. Edited.