الإتيكيت: مفهومه، وأهميته، وأكثر

يتميز الإنسان عن غيره من الكائنات الحية بعقله والطريقة التي يُدير بها نفسه في المجتمع من خلال الأخلاق والآداب المُكتسبة في حياته اليومية طوال عُمره، فمن الضروري أن يتصرف الإنسان بطريقة مسؤولة ومقبولة لدى أفراد المجتمع، وألا يجعل أي شخص من حوله يشعر بالإحراج أو السوء بسبب سلوكه أو تصرفاته، وألا يتصرف بطرق همجية غير عقلانية وغير منطقية في الأماكن العامة في المجتمع، وفيما سبق لمحة عما يُعرف "بالإتيكيت".^[١]

مفهوم الإتيكيت 

في الحديث عن الإتيكيت وقبل التوسع في التعرف على تاريخه وأهميته وأنواعه، لا بد بدايةً من التعرف على مفهوم الإتيكيت وأصل كلمة إتيكيت، وهي كالآتي:

• يعود أصل كلمة إتيكيت إلى الكلمة الفرنسية "estique" والتي تعني الإلصاق أو الالتصاق، وتصف الكلمة "آداب السلوك" وفقًا وتماشيًا مع تقاليد المجتمع وعاداته، ويتضمن هذا السلوك السليم الذي يضع أساسه المجتمع ويوجب التقييد به في المناسبات المجتمعية المختلفة، بما في ذلك المناسبات الرسمية العامة، والاحتفالات، والحياة اليومية المعتادة وحتى في الذهاب للمحكمة.
• يُعرف الإتيكيت باختصار بأنه القواعد التي ترمز إلى الطريقة الصحيحة والمهذبة واللبقة في التصرف، وفي تعريف آخر شامل هو السلوك أو الإجراء الذي تتطلبه أُسس التربية الحديثة والذي تحدده الجهة المعنية لغايات مراعاته في كل من الحياة الاجتماعية والرسمية.^[٢]
• يتفق معظم خبراء الإتيكيت وواضعي تعريفاته على أن الإتيكيت أو الآداب السليمة تبدأ بإظهار الاحترام من قِبل الإنسان إلى الآخرين، وبأن يكون إنسانًا جديرًا بالثقة لمن حوله، وقادرًا على تهدئة وترويض الآخرين، وإظهار اللطف والوِد والأُلفة لهم، والتركيز على بعض التفاصيل في موقف معينة، وقد وصف الإتيكيت بأنه علم الحياة، فهو يتضمن كل السلوكيات في شتى المواقف، وهو منبع الأخلاق والعلو والعظمة.^[٢]

تاريخ الإتيكيت

بعد التعرف على مفهوم الإتيكيت، لا بد من التعرف على تاريخه وما يتعلق به من أصول ونشأة، وهي كالآتي:

نشأة الإتيكيت

نذكر فيما يلي بعض النقاط التي توضح تاريخ بروز وظهور الإتيكيت ومكان نشأته:^[٣]

• نشأ الإتيكيت من القصور الملكية وهي الموطن الأصلي لها، إذ ترتكز آداب السلوك حول الملك، وتتضمن مجاملات في السلوكيات ابتداء من عنده وتتوسع عبر الطبقات المحيطة به، حيث كُتب في بعض الكُتب الخاصة بالإتيكيت والتي تروي عن بعض السلوكيات التي كانت قائمة في المجتمع الأنجلو ساكسوني كيف كانت الملكة تمسك الكأس أولًا إلى الملك ومن ثم إلى الحاشية، وذلك وفق ترتيبٍ معين واضح وباستحقاق الأسبقية.
• قد كانت العصور الوسطى بمثابة الفترة الذهبية لآداب السلوك الغربي، إذ كان النظام الإقطاعي آنذاك مقسمًا إلى طبقات وبشكلٍ دقيق وصارم، وقد وصف جان فرويسارت في كتابه "كرونيكل" كيف أنه كان الأمير الأسود ينتظر على الطاولة ملك فرنسا الأسير جون، وكان ذلك بعد معركة بواتييه.
• ازدهرت سلوكيات الإتيكيت في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر ازدهارًا كبيرًا في بريطانيا، وكان ذلك عندما فرضت شخصيات مرموقة كبو ناش وبو بروميل سلوكياتهم كقواعد للمجتمعات المهذبة؛ نظرًا لأن هؤلاء الأفراد ينتمون إلى الطبقات العُليا في المجتمع، وهم أكثر مراعاة لمتطلبات آداب السلوك، وتم إنشاء العديد من الطقوس المتقنة للتحلي بها من قبل المبتدئين.
• بحلول منتصف القرن العشرين، لم يعد الإتيكيت مقتصرًا على طبقة اجتماعية، فقد اتخذت الأخلاق الحميدة من قبِل الأفراد العاديين في مواقفهم اليومية المُتكررة.

أصول الإتيكيت

فيما يلي بعض أصول الإتيكيت الدارجة في المجتمعات منذ القدم وحتى الوقت الحاضر:^[٤]

• تشميت العاطس: ويعود هذا السلوك إلى عام 590 بعد الميلاد، وذلك عندما أمر البابا غريغوري الأول بمباركة أي شخص يعطس في الحال بقول "بارك الله فيك"؛ وذلك خوفًا من أن هذا العطس هو علامة على إصابة العاطس بالطاعون.
• خلع قبعة الرأس عند الدخول في أيّ مكان مغلق: فقد كان الرجال فيما مضى يرتدون قبعات عند الخروج للخارج لحمايتهم من العوامل الخارجية؛ كالأوساخ والأمطار، ومن الإتيكيت أن يخلعوها فورًا عند دخولهم، وذلك لكي لا تسقط أي من تلك العناصر الخارجية على الأشخاص الآخرين أو على الطعام.
• الامتناع عن وضع اليدين على الطاولة عند تناول الطعام: لأن دعم اليدين ووضعهما على الطاولة سيأخذ من مساحة الشخص الذي يجلس في الجانب، كما أن منظر الشخص وهو بهذه الوضعية ليس لطيفًا أبدًا.
• تغطية الفم عند التثاؤب: وهو من الإتيكيت، وذلك لكي لا يظن الأشخاص المحيطين بأن تثاؤب الشخص هو علامة على الملل.
• جعل السيدة تمشي على الجانب الأيمن للرجل: وهو أمر فخري لاستحقاق الاحترام والفخر بسيرها على جانب الرجل الأيمن.

أهمية الإتيكيت 

فيما يلي ذكر لأبرز النقاط التي توضح لنا أهمية ممارسة الإتيكيت واتخاذه أسلوب حياة للجميع:^[٥]

• يُعنى الإتيكيت باللطف، والنزاهة، والأخلاق الكريمة، واللباقة، والرقة.
• يساعد الإنسان على معرفة كيف يجب أن يتعامل مع الآخرين، وكيفية التصرف عند تواجده في البيئات المختلفة عن بيئته.
• يعزز شعور الإنسان بالراحة والطمأنينة، وإظهار تقديره للآخرين واحترامه لهم.
• يبني الإتيكيت مبادئ التواضع والاحترام لدى الإنسان.
• يمنح الثقة للفرد في التعامل مع المواقف اليومية المختلفة في حياته، ويمنحه مهارات حياتية جديدة.
• يقضي على السلوكيات غير المهذبة وغير اللائقة عند الفرد، ويعزز صورته الفردية عن نفسه، وبالتالي تعزيز ثقته بنفسه.
• يساعد الإتيكيت على إدراك الفرد لمشاعر الآخرين وحقوقهم، والتفكير في سلوكياته باستمرار.
• يعزز الإتيكيت من احترام الفرد لثقافات الآخرين والتعايش معهم.

أنواع الإتيكيت

لا يقتصر الإتيكيت على آداب الطعام فقط، فهنالك العديد من أنواع الإتيكيت، ومنها:

الإتيكيت الخاص في بيئة العمل

فيما يلي أبرز القواعد المُتبعة فيه:^[٦]

• المصافحة: يجب أن يتم النظر في عين الشخص المراد مصافحته، وإحكام القبطة بمعصم ثابت غير رخو، وألا تزيد مدة المصافحة عن ثانيتين أو 3 ثوانٍ مع الابتسام في وجهه.^[٧]
• تقديم المتكلم لنفسه: يتطلب الإتيكيت في العمل أن يُقدم الشخص نفسه للآخرين بأن يتضمن اسمه الأول والأخير، وأن ينتبه لأسماء الآخرين ويحرص على نطقها بطريقة صحيحة وتذكرها؛ لأن لا أحد يحب أن يُنادى بأي اسم دون اكتراث.
• التواصل اللبق: يجب على المرء أن يكون مهذبًا أثناء تواصله مع الزملاء في حياته المهنية، سواء أكان الاتصال وجهًا لوجه، أو عبر الهاتف، أو عبر الإنترنت، ويستخدم كل حواسه ونبرة صوته وتعبيراته وكلماته لإظهار ما يشعر به.
• الدقة في المواعيد: عند تأخر الشخص عن المواعيد يُظهر للأشخاص المنتظرين له عدم الاحترام والتقدير لوقتهم، مما يضره في سمعته المهنية، وإن اضطر للتأخر فعليه التواصل مع الطرف الآخر والاعتذار له وتبرير سبب التأخير.

الإتيكيت في البيئة الأسرية

أمّا عن القواعد والسلوكيات المتبعة فيما يخص البيئة الأسرية فهي كالآتي:^[٦]

• احترام أفراد الأسرة لممتلكات بعضهم البعض.
• استخدام النبرة واللغة المهذبة في التواصل مع أفراد الأسرة في جميع الأوقات.
• احترام المساحة الشخصية لكل فرد من أفراد الأسرة.
• ترتيب كل فرد من أفراد الأسرة لممتلكاته دون الاعتماد على أيّ فرد آخر.
• الالتزام بالموعد المحدد لتناول الطعام مع أفراد الأسرة.
• عدم مقاطعة أي فرد من أفراد الأسرة لفرد آخر وهو يتكلم.

الإتيكيت في البيئة المجتمعية والأماكن العامة

من خلال النقاط التالية يتم توضيح بعضًا من السلوكيات والقواعد المتبعة في هذا النوع من الإتيكيت:^[٧]

• عند الجلوس في الأماكن المزدحمة أو في المواصلات المزدحمة، يجب على الذكر الجالس أن يُفسح المكان للأنثى، وخاصةً الكبيرات في السن، وإن كانت هنالك فتاة شابة وآخر رجل كبير في العمر فالأولى أن يُفسح المكان للرجل.
• عند الجلوس في الأماكن العامة وفي المطاعم والحفلات، من اللطيف أن يقوم الذكر بمساعدة الأنثى في الجلوس على مقعدها قبل أن يجلس، ويكون بتحريك الكرسي خارج الطاولة وإدخاله برفق عند جلوس الأنثى.
• فتح الأبواب للسيدات أو لكبار السن أو للأشخاص الذين يحملون أمتعة كثيرة.