العنف الاجتماعي: مفهومه، وآثاره، وأكثر

يعد العنف الاجتماعي بلا شك من الظواهر التي تثير القلق بشكلٍ كبير في المجتمعات عامةً، وهو ظاهرةٌ حديثة نسبيًا في مجتمعاتنا العربية التي كانت أرضها مهدًا للرسالات السماوية التي طالما دعت إلى المساواة بين الناس وإزالة جميع الحواجز الطبقية بينهم، وعادةً ما يرتبط بأحداث الشغب، والتنمر، وحرب العصابات، وإطلاق النار، والهجمات، وسوء المعاملة، فهو مظهر واضح من مظاهر العنف والأذى والترهيب.^[١]

العنف الاجتماعي

• العنف لغةً: هو استخدام القوة والقسوة والشدة.^[٢]
• العنف اصطلاحًا: هو آفة اجتماعية سلبية تشمل كل سلوك معنوي أو مادي يرافقه إلحاق الأذى بالآخرين.^[٢]
• العنف حسب تعريف منظمة الصحة العالمية: هو الاستخدام المادي للقوة أو السلطة، سواء أكان بالتهديد أو بالفعل ضد فرد أو مجموعة أفراد أو حتى المجتمعات، والذي بدوره يؤدي إلى سوء النمو أو الدمار أو الأذى النفسي أو الموت أو الإصابة.^[٣]
• العنف الاجتماعي: وهو التعرض لأفعال متعمدة من العنف الشخصي تُرتكب في العلن على يد أشخاص لا يرتبطون ارتباطًا وثيقًا بالضحية، وقد تشمل بدورها حرب العصابات، وأحداث الشغب، وإطلاق النار، والتنمر، والاعتداءات في مقر العمل، والأعمال الإرهابية، والحرب، والتطهير العرقي، وسوء المعاملة سواء أكانت جسدية أو جنسية أو عاطفية.^[٤]

كيف ينشأ العنف الاجتماعي؟

فيما يلي بعض المعلومات المتعلقة بذلك:

• يبدأ العنف بحسب المكتبة الوطنية للطب والمعهد الوطني للصحة في الولايات المتحدة الأمريكية من المنزل، أو الأسرة على وجه الخصوص، فهي تعد اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وبالتالي يعد العنف أمرًا مكتسبًا.^[٥][٦]
• يمتد نطاق دائرة اكتساب العنف ليشمل المجتمع المحيط، فنشوء أو وجود صراع أو خلاف بين مجموعتين أو مجتمعين مع استمرارية عدم السيطرة على هذا الخلاف وخروجه عن السيطرة، قد يؤدي بدوره إلى العنف الاجتماعي، حيث أن هذا العنف هو صورة للإنسان ما قبل التاريخ الحربي.^[٧]

مستويات العنف الاجتماعي

العنف على المستوى الأسري

• يشير العنف الأسري بأنه فعل أو مجموعة من الأفعال المباشرة أو غير المباشرة، الموجهة نحو أحد أفراد الأسرة بهدف إيقاع الأذى المعنوي أو الجسدي أو اللفظي أو حتى الجنسي، وعادةً ما يكون موجه إلى الطرف الأضعف في الأسرة والأقل قوة فيها؛ كالطفل أو المرأة.^[٨]
• ترى وزارة التنمية الاجتماعية الأردنية أن العنف الأسري هو الجرائم أو الأضرار التي يقوم بارتكابها أحد أفراد الأسرة والذي يقع على شخص أو مجموعة من الأشخاص من الأسرة نفسها.^[٩]
• يرتبط العنف الأسري بسياق المجتمع وثقافته والأعراف السائدة فيه، وبالتالي فإن المرجعية في إصدار الحكم على فعل ما إذا كان عنف أسريًا أم لا قد يختلف من مجتمع لآخر، فما قد يقوم به الأهل من أفعال لغايات تربية الأبناء يختلف عما يرتكبه الأهل لغايات مرضية، وما يعد عنفًا في مجتمع ما قد لا يكون كذلك في مجتمعٍ آخر.^[١٠]
• يشمل العنف الأسري عدة أشكال ومنها؛ العنف الجسدي، العنف الانفعالي والنفسي، والعنف الجنسي، والإهمال.^[١١]
• ينتج العنف الأسري سلبيات وعواقب تؤثر على أفراد الأسرة والأطفال بشكل كبير، فقد تحصل مشاكل في النمو المعرفي والنفسي والجسدي، وقد يمتد ليصبح العنف نفسه أسلوبًا يتبعه الطفل في مراحل لاحقة، كما أنه قد يؤدي إلى الانحراف السلوكي.^[١٢]
• تمتد دوافع العنف الأسري لتشمل:^[١٣]
• دوافع ذاتية: تنبع من نفس الإنسان، وقد تكونت لدى الفرد بسبب الظروف الخارجية؛ كسوء المعاملة أو الإهمال.
• دوافع اقتصادية: غالبًا ما تكون رد فعل أو تفريغ لشحنات الفقر وخيبات الأمل.
• دوافع اجتماعية: وهي مرتبطة بالعادات والتقاليد في ذلك المجتمع.

العنف على المستوى المجتمعي

وهو يؤثر على مختلف الأعراق والإثنيات المتعددة في المجتمع، والذي غالبًا ما يكون نتيجة للظروف الاقتصادية والاجتماعية في ذلك المجتمع، فعادة ما ترتبط الأحياء الفقيرة بنسب كبيرة من التعرض للعنف المجتمعي، عادةً ما يتم التركيز على الأطفال في المرحلة الدراسية في التوعية ضد العنف المجتمعي عامةً، حيث تشير العديد من الدراسات إلى أن التوعية في هذه المرحلة لها دور فعال جدًا في الحد من العنف.^[١٤]

العنف على المستوى الجندري

يُعرف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية العنف الجندري بأنه أي فعل ضار يلحق الأذى، أو المعاناة الجسدية، أو الجنسية، أو العقلية، يُقترف ضد إرادة أي شخص، وترجع أسبابه إلى الفروق بين الجنسين، الذكور والإناث:^[١٥][١٦]

• تجدر الإشارة إلى صور العنف القائم على المستوى الجندري أو النوعي في المجتمعات؛ كالزواج القسري والتحرش الجنسي والاستغلال.
• تشكل هذه الممارسات عواقب ومخاطر تهدد الحياة، وبالتالي تجدر معالجة جميع أشكال العنف القائم على النوع الجندري، خصوصًا عند النساء أو الفتيات من ذوات الإعاقة.
• يشمل العنف القائم على المستوى الجندري أيضًا الرجال أو الفتيان، فقد يكونون من الناجين من العنف الجندري، لا سيما العنف الجنسي، وبالتالي تجدر هنا التفرقة بين العنف الجندري الذي يشمل جميع الفئات النوعية من الذكور والإناث، وبين العنف ضد المرأة والذي يكون موجه ضد الإناث فقط على أساس جنسهم.
• يتكون العنف الجندري من عدة أنواع ومنها، الجنسي كالاغتصاب والتحرش الجنسي، أو عنف جسدي كالضرب واللكم والخنق، أو عنف نفسي كالتهديد وإساءة المعاملة والسخرية، أو اقتصاديًا كالحرمان من فرص العمل.
• يتخذ العنف القائم على النوع المجتمعي عدة أشكال تبدأ من الإطار الزوجي، ليمتد إلى الإطار العائلي، فالاجتماعي، فالمؤسسي.
• تشمل مجالات التدخل الأساسية لكل من تعرض إلى العنف على الأساس الجندري: العناية الصحية، والدعم النفسي والاجتماعي، والتمكين الاقتصادي، والمساعدة القانونية، والحماية.^[١٧]

العنف على مستوى الدولة

تختلف أسباب ودوافع العنف على مستوى الدولة باختلاف تكوين هذه الدولة وظروفها التاريخية والدراسات السكانية فيها:^[١٨]

• أسباب سياسية: ترتبط باستخدام مظاهر العنف والقوة من قبل نظام الحكم في الدولة.
• أسباب اجتماعية: ترتبط بدرجة الانصهار الثقافي والحضاري بين مكونات وعناصر وفئات المجتمع ككل، فكلما زاد الانسجام بينها، قل العنف في ذلك المجتمع.
• أسباب اقتصادية: يحدث في حالة الحرمان الاقتصادي واللامساواة الاقتصادية بين طبقات وفئات المجتمع، وانتشار الفقر والبطالة، فإن وعي الأفراد بلا عدالة التوزيع ووجود الاحتكار بيد فئة معينة قد يؤدي إلى البحث عن سبل لتحقيق العدالة، حيث قد يلجأ البعض إلى أساليب العنف والإرهاب.

عوامل مساهمة في العنف الاجتماعي

سوء معاملة الأطفال

يتعرض الطفل لبعض العوامل التي من شأنها أن تساهم في تولد العنف لديه خلال مراحل حياته، منها:^[١٩]

• تفضيل وتمييز المواليد الذكور على الإناث في بعض المجتمعات.
• العقاب البدني.
• العادات والتقاليد التي قد تكون مؤذية في المجتمع.

الأذى الفردي الناتج من التأثر بالمحيط الاجتماعي

قد يشعر بعض الأشخاص من ذوي الأوضاع الخاصة سواء الذين يعانون من اضطرابات أو أمراض جسدية أو عقلية، أو حتى ذوي التوجهات الجنسية المختلفة في بعض المجتمعات من الحرج الشديد أو العار بسبب وضعهم الخاص، مما قد يضطرهم إلى ردع أنفسهم عن طلب المساعدة أو حتى الانتحار أحيانًا، فهذا السلوك هو يعد عنفًا.^[٢٠]

العنف المجتمعي أو الجماعي المشترك

للمجتمعات دور في العنف بشكل كبير، وفيما يلي بعض العوامل التي تساعد الأفراد على ممارسة أعمال العنف على النفس أو على الغير:^[٢١]

• التمييز العنصري وعدم تقبل الفئات والقوميات والأعراق الأخرى أو الأقليات من أصول مختلفة في المجتمع.^[١٩]
• انعدام التقبل من المجموعات الدينية لبعضها البعض في المجتمع.
• قلة التدابير أو الإجراءات الديمقراطية في دولة أو إقليم معين، وعدم توفر فرص عادلة في الوصول إلى مراكز القوة.
• سيطرة بعض الجماعات على المقدرات في الدولة، وخصوصًا الموارد والمصادر الطبيعية منها.
• التغيرات المجتمعية والديموغرافية والزيادة المضطردة في عدد السكان التي من شأنها أن تزيد البطالة.

آثار العنف الاجتماعي

يؤثر العنف الاجتماعي بشكل قصير وطويل المدى على الأفراد فيما يلي:^[٢٢]

• الصحة الذهنية والعقلية.
• الصحة الجسدية.
• الصحة النفسية والروحية.

طرق معالجة العنف الاجتماعي

لا بد من حلول وطرق للتخلص من العنف الاجتماعي الذي يتعرض له الأفراد والجماعات في جميع بقاع العالم، فيما يلي توضيح لأهم الطرق:

• اتخاذ التدابير الوقائية والإجراءات الرادعة والمانعة لحصول العنف الاجتماعي من الأساس في المستقبل.^[٢٣]
• القضاء على جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات.^[٢٤]
• الحد من الاستخدام غير المشروع للسلاح.^[٢٥]
• لوجود الوازع الديني دور كبير في الحدّ من العنف المجتمعي.^[٢٦]

دور المؤسسات في الحدّ من العنف الاجتماعي

يجب أن يتم الحدّ من العنف الاجتماعي على عدة أصعدة لكون أسبابه متعددة، وفيما يلي دور بعض المؤسسات في الحدّ منه:^[٢٧]

• اتخاذ الخطوات الصحيحة التي تبرز المواقف المثلى السليمة والصحية واستهدافها بشكل خاص للأطفال والشباب على مراحل نموهم المختلفة.
• العمل على خلق وإيجاد بيئات صحية داخل الأسرة، وتقديم الإرشاد المطلوب.
• التوعية بأهمية تصحيح المعتقدات والعادات الخاطئة التي تؤدي بشكل أو بآخر إلى العنف.
• التوعية بالدور الذي يلعبه كل من المجتمع والاقتصاد والثقافة في زيادة أو الحدّ من العنف في المجتمع.